صدق المسلمون الأوائل في إيمانهم بربّهم .. عبدوه وحده وكفروا بكل ما يُعبد من دون الله وتحرّروا من سلطان العبيد وسلطان الشهوات وحملوا رسالة الإسلام ابتغاء وجه الله بدون مقابل في هذه الدنيا وبذلوا الأنفس والأموال لإعلاء كلمة الله فاتّخذهم الله أولياء، ومكّنهم في الأرض ، وسلّطهم على العصاة من عباده.
فكل الانتصارات التي أحرزها المسلمون في هذه الفترة كانت سنة من سنن الله جرت مجراها ووعداً من وعوده تحقّق في أوانه.
وقال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 5-6]. وفي الحديث: "إن الله زوى لي الأرض فأُريتُ مشارق الأرض ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها وأُعطيتُ الكنْزين الأحمر والأبيض" [مسلم وأبو داود]. وفي الحديث: "والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه" [البخاري].
فالتمكين والانتصار يأتي إذا أخلص المؤمنون النية وصدقوا في العمل فإن فقدوا ذلك وضعفوا عن الامتثال بأوامر الله لا تنفعهم كثرة الأموال والجنود ومهارة القادة وتجاربهم الحربية. ولذلك لمّا أعجب خالد بن الوليد رضي الله عنه المسلمين بمقدرته الحربية والقيادية عزله عمر رضي الله عنه لأنه خاف أن ينسى المسلمون أسباب النصر الحقيقية فيوكلوا إلى أنفسهم.